الأخبار

الإغتصاب ….. جريمة مركبة ./ المقال 2

عطفا على المقال الأول ومتابعة لما تم طرحه فيه من إشكاليات نحاول أن نجيب على أول سؤال فيه :
من المسؤول عن الإغتصاب ؟
إننا حين نتأبط الحروف؛ ونقصد مدائن الأفكار ؛ تحملنا سفن الأمل إلى ضفافه الخصبة ؛ نتلمس خطى الحياة ليس لشيئ سوى أننا نريد حياة جديدة .
إنها رحلة بحث مضنية مؤلمة ولكن لابد أن تنتهي الرحلة التي بدأت بصرخة أنثى لم يضع مستقبلها بل ضاعت حياتها وتنتهي في الغالب بصمت يملأ الزوايا ؛ ويكفن الأماني ؛ ويزفها إلى عوالم النسيان ؛ لتكون مجرد وقائع خالية من الحياة ؛ سطرت على ورق في أدراج المحاكم ؛ وربما تصادفها يوما وأنت تشتري قطعة (صاندوش) لدى بائعة على الرصيف ؛ تسلمك إياها لتكون أنت بيدك من ترميها بالقمامة .
نعم إنها رحلة تبدأ بالألم ؛ يستوطن ثناياها الأمل ؛ وتنتهي بالنسيان لتبدأ رحلة أخرى دون أن نعلم من المسؤول ؟
إن المسؤول عن جريمة الإغتصاب هو المسؤول عن الفساد ؛ هو المسؤول عن تزوير الأدوية ؛ هو المسؤول عن تزوير تواريخ الأطعمة ؛ هو المسؤول عن تهالك البنى التحتية ؛ هو المسؤول عن فقرنا ؛ وعن خوفنا وعن مٱسينا التي كلما حلمنا بالخروج منها بوعد فكان البرق خلب ؛ والماء سراب ؛ فزاد عناؤنا وزاد شقاؤنا .
المسؤول عن جريمة الإغتصاب ليس فردا وإن كان هو المحور ؛ بل مجتمعا صاغ عقلية أفراده حتى باتت جريمة الاغتصاب حدثا يوميا معاش ؛ وأضحت جريمة القتل مجرد خبر يتناقله الناس ؛ والتعاطي بالمخدرات وتهريبها مسلسل يومي نعيش أجداثه ونمجد أشخاصه .
إن المسؤول عن جريمة الإغتصاب هو أنت أيها المواطن ؛ وأنت أيتها الدولة ؛ وأنتم أيها الأئمة ؛ وأنتم أيها المثقفون ؛ وأنت أيها المعلم ؛ وأنت أيها المدير ؛ وأنت أيها الشرطي ؛ ونحن جميعا مسؤولون عن جرائم الإغتصاب ؛ ولكن كلنا يسبح في بحر طهره ؛ ويغتسل بسحب أنانيته ؛ يلتحف الصمت ؛ ويجيد الترقب ؛ وهناك ضحية تلعننا جميعا لأنها ماوجدت بيننا معتصما .
لنجيب على السؤال يجب أن نحدد المفاهيم من هو المغتصب ؟ ومن هي المغتصبة ؟ ومن نحن ؟
إنها أسئلة سهلة لكن لم يجب عليها أحد ؛ ولن يجيب عليها وستتجدد جريمة الاغتصاب؛ وستظل هذه الأسئلة عالقة .
المغتصب هو شخص فشلت أسرته في تربيته ؛ وفشل القسم في احتوائه؛ ووجد في الشارع أبواب أقسام الإجرام مشرعة بلاحارس أخلاقي؛ ولاوازع ديني؛ ولا رادع يخافه ؛ فهو تراكم فشل يبدأ من الأسرة وينتهي بالمسجد والدولة .
أما المغتصبة في الغالب هي ضحية فقر مدقع إما ماديا وأسبابه كثيرة؛ وإما معنوي وأسبابه أعظم وأكثر ؛ ففي الأولى المجتمع والدولة يتحملان المسؤولية التامة ؛ وفي الثانية الأسرة ومؤسسات التربية والدولة تتحمل المسؤولية بالتقاسم .
إذن إذاكان الإغتصاب جريمة مركبة ؛ فإن المسؤولية عنه تتحملها أسر فشلت في التربية ؛ ومدارس فشلت في الإعداد ؛ وشوارع خارج دائرة الرقابة ؛ ودولة لم تستطع أن توفر الحماية ولم تستطع مواكبة الظاهرة مواكبة جادة تقوم على وضع خطط استباقية ؛ وهنا أتقدم بالشكر والإمتنان إلى شرطتنا الوطنية التي تقوم بواجبها على أكمل وجه في إحضار المتهمين وضبطهم في أوقات قياسية ؛ وتبقى المسؤولية على عاتق القضاء الذي سنفرد له مقالا يشخص دوره ؛ والعوامل المؤثرة فيه ؛ والعيوب التي قد تمنعه من أداء واجبه .
إن جريمة الإغتصاب جريمة مركبة ؛ ومرورها مر الكرام وفي صمت مطبق يؤكد أننا جميعا شركاء في ألم يزداد وأمل يتلاشى ؛ وأن دموع المغتصبة وهي تبكي جرحا نازفا مدى الحياة ستجرف الطهر في نفوسنا حتى يعود الحق إلى نصابه ؛ ونعترف جميعا بالمسؤولية .
بقلم : سيدمحمد محمد يعقوب .
رئيس تيار وطن موحد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى