أصحاب المزارع بجنوب لبنان يطالبون بالتعويض بعد العدوان

بيروت– استطاع المواطن إبراهيم عيسى الذي يملك 34 بقرة في مزرعته المستحدثة في عيناتا بقضاء بنت جبيل جنوب لبنان، أن يخرج 18 منها تحت نيران القصف الإسرائيلي، وبقي لديه 16 أخرى، لم يستطع إخراجها، فاضطر للمخاطرة بحياته ليطلقها تأكل من أعشاب الأرض، قائلا “سامحوني هذا كل ما استطعت أن أفعله لأجلكن، أخرجن إلى البرية وتدبرن أمركن”.
أضرار كبيرة
ومع تدهور الوضع الأمني في جنوب لبنان بعد 23 سبتمبر/أيلول الماضي حين اشتدت حرب إسرائيل وتوسعّت، اضطر المعمل الذي يستلم الحليب من مزرعة عيسى إلى إغلاق أبوابه بعد نزوح عماله، مما دفعه إلى رمي الحليب يوميًا في البريّة، فلا معمل يستلم منه الحليب، وهو ما ألحق بمزرعته خسائر اقتصادية فادحة.
ويؤكّد عيسى في حديث للجزيرة نت أن كل فترة الحرب كان يدفع ثمن الأعلاف والرعاية من ميزانيته، فالمزرعة لم تعد تدر المال بسبب توقف معامل الألبان، ويقول “تخيّل أنني أرمي الحليب يوميًّا ولفترات طويلة، وأعالج الأبقار وأطعمها وأنقلها، كل هذا من ميزانيتي، عدا تراكم الديون عليَّ لبائعي الأعلاف، ولا أنسى أني بعت عددًا من الأبقار خلال الحرب لكي أؤمن قوت عائلتي بأسعار زهيدة”.
وبقي لعيسى 8 بقرات أعادها إلى مزرعته في ميس الجبل، يحاول من خلالها الانطلاق من جديد في حلمه بإنشاء مزرعة كبيرة، لتكون سندًا له ولأخيه في هذه البقعة الجغرافية التي أحرقتها إسرائيل وحاولت أن تعدم الحياة فيها، لكنه يؤكّد أن العودة تكاد تكون مستحيلة في حال لم يعوّضه أحد.
ولا يخفي عيسى خشيته من ألا يتم تعويضه، كما حصل مع المزارعين وأصحاب المزارع بعد حرب يوليو/تموز 2006، مؤكّدا أن هذه الحرب مختلفة جدًّا، وعدم التعويض على المزارعين وأصحاب المزارع والمداجن سيخلف مشكلة كبيرة، وكأنّ الرسالة مفادها “اذهبوا عن هذه الأرض فلا مكان لكم عليها”.
تدمير مزارع الدجاج
من جانبه، يقول أحمد قاروط إن مزرعته كانت تضم 40 ألف دجاجة لاحمة، و1200 دجاجة بيّاضة، إضافة إلى 15 بقرة حلوب، وكانت هذه المزرعة تؤمّن معيشة 4 عائلات وعددًا من العمال داخلها، كما كانت تعود بمردود جيد بعد بيع الإنتاج في السوق المحلي من الجنوب وصولًا لصيدا وحتى العاصمة بيروت.
ولم يترك أحمد مزرعته خلال فترة حرب الإسناد، لكن مع اشتداد القصف أُرغم على تركها، ولم يستطع أن يخرج إلا الأبقار، أما الدجاج اللاحم فجرى بيع جزء منه بأسعار زهيدة، وما تبقى منها ومن الدجاج البياض بقي داخل المزرعة، ونفقت جميعها بسبب الجوع والدمار، ويؤكّد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي عندما وصل إلى مزرعته عمل على جرفها، ودمّر معمل الأعلاف.
ولا يخفي المواطن رغبته بمزاولة عمل المزرعة رغم الخسائر الفادحة، لكنه يؤكّد، وهو يجلس أمامها مدمّرة، إنه يستحيل العودة إن لم تكن الدولة إلى جانبه ويقول “نحن بحاجة إلى دعم وزارة الزراعة، ونعلق آمالا على الدولة وعلى الهيئات والجمعيات الخيرية، فبقاء الناس في هذه المنطقة يعتمد على الدعم الذي سيتلقونه، وإن لم تعاود المزارع والمداجن نشاطها، فلن يبقى أحد هنا”.
مزارع الأغنام والماعز
ويقول غسان الحاج، صاحب مزرعة للأغنام والماعز، إنها كانت تضم أكثر من 500 رأس إضافة إلى 35 بقرة، وتعيل 5 عائلات، وتنتج يوميا 5 أطنان من الحليب يصرّف إنتاجها إلى معامل البقاع. وبقي الحاج كل فترة الحرب ولم يترك مزرعته، ومع اشتداد القصف وتوسّع الحرب بقي 22 يوما، وكان قد تعرض لغارة من مُسيرة نجا منها بأعجوبة.
ويلفت إلى أنه حاول إخراج قطيعه الكبير لكن الغارات الكثيفة حالت دون ذلك، ويقول “حاولت بشتى الطرق أن أنقذ القطيع لكن بلا جدوى، وجدت أن الأجدى أن أتركها تسرح في البرية، وهناك تأكل الأعشاب وتتدبر أمرها، وكان لدي الأمل في أن أعود وألقى القطيع مجددا هنا، ولكن بعد عودتي لم أجد إلا بضعة عنزات و 4 بقرات، ووجدت عظام الأغنام والماعز والأبقار منتشرة بكافة أرجاء المزرعة.
ولا تقل خسائر الحاج عن 300 ألف دولار، عدا منزله المدمّر كذلك، وشاحناته وجرافته التي كان يعمل بها، ويقول “نحن بقينا هنا طوال الحرب وخاطرنا بحياتنا لأننا ننتمي لهذه الأرض، وأنا مستعد لمعاودة توسعة المزرعة، لكن هذا مستحيل إن لم تلتفت إلينا الدولة وتعوّض خسائرنا، وكذلك الجهات الدولية والجمعيات، فنحن منذ سنة ونصف السنة لم ندخل فلسا واحدا، وإنما نخسر كل يوم مئات الدولارات ونصرف من اللحم الحي”.