لغة الضاد: جسر ممتد بين نبل الماضي وآفاق المستقبل/ بقلم بوبكر سيدي امبيريك

اللغة العربية، أو كما يسميها محبوها “لغة الضاد”، هي من أقدم اللغات الحية التي صمدت أمام الزمن، وحافظت على بنيتها وقواعدها وجمالياتها. و قد أبدع الشاعر و صدق حين وصفها:
“أنا البحر في أحشاءه الذر كامن #
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي.”
هي ليست مجرد وسيلة تواصل، بل حاوية فكرية وثقافية تحمل في داخلها تراثاً ثقافياً ضخماًو تشكل جسراً بين أمجاد الماضي وتطلعات المستقبل. جذورهاعميقة في التاريخ.
ظلت لغة الضاد لغة العلم والأدب والفلسفة لعدة قرون. وفي العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، كانت هي اللغة العالمية الأولى؛ حيث تم جمع كنوز المعرفة من اليونان والهند وبلاد فارس، لتعاد صياغتها من جديد بروح عربية مبتكرة.
حاملة الرسالة: اكتسبت قدسيتها وعالميتها كونها لغة القرآن الكريم مما ساهم في انتشارها وحمايتها من الاندثار. وفيها خزينة أدبية قدمت منها ملاحم شعرية ونثرية قديما (مثل المعلقات ومقامات الحريري) لا تزال تدرس حتى اليوم كمصادر للإبداع اللغوي.
وفي العصر الحديث واجهت اللغة العربية تحديات العولمة وهيمنة اللغات الأجنبية في المجالات التقنية. ومع ذلك، فقد أثبتت مرونة فائقة من خلال:
التعريب والاشتقاق: لأن قدرتها عالية على توليد مصطلحات جديدة في مواكبة الاختراعات الحديثة.
-الحضور الرقمي: زاد المحتوى العربي على الإنترنت بشكل ملحوظ، مما جعله لغة حية في الفضاء الإلكتروني.
ولا يمكننا المضي قدماً نحو المستقبل دون التمسك بهويتنا اللغوية.
التنمية لا تعني التفكك، بل التكيف. ويتجلى دور لغة الضاد في المستقبل من خلال:
الذكاء الاصطناعي: لأن هناك حاجة اليوم إلى تطوير خوارزميات تفهم اللغة العربية بلهجاتها وبنيتها المعقدة، مما يفتح آفاقاً جديدة في معالجة اللغة الطبيعية.
-اقتصاد المعرفة: الاستثمار في التعليم والترجمة والنشر باللغة العربية يعزز مكانتها كقوة ناعمة في المحافل الدولية.
-الهوية والوحدة: تظل اللغة الرابط الأقوى الذي يجمع الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، مما يجعلها أداة استراتيجية للتكامل الثقافي والاقتصادي.
“اللغة العربية ليست ملكاً للعرب وحدهم، بل هي تراثا إنساني ساهم في تشكيل الوعي الإنساني، والحفاظ عليها هو الحفاظ على جزء من تاريخ العالم”. إنه ذلك الجسر المتين الذي نبدأ منه في فهم جذورنا، ومن خلاله نعبر نحو مستقبل مليئ بالإبداع والابتكار. الاعتزاز بها لا يعني العزلة، بل يعني الوقوف على أرض صلبة تمنحنا الثقة للمشاركة في بناء الحضارة الإنسانية الحديثة.



