3500 حالة اختفاء قسري في شمال سيناء خلال 12 عاماً

وثقت «مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان» ما بين 3000 إلى 3500 حالة اختفاء قسري في محافظة شمال سيناء بين عامي 2013 و2025.
وفي تقرير لها حمل عنوان «في غياهب الجب: قصص غير مروية لمدنيين ابتلعتهم المعتقلات السرية في سيناء»، قالت المؤسسة إن التوثيق لم يشمل الحالات التي تمكنت عائلاتها من معرفة مصير ذويها، سواء بالاعتقال أو الوفاة.
كما أكدت أن هذه الأرقام لا تشمل البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية المصرية، التي تمثل بدورها جزءًا كبيرًا من عمليات الاعتقال والقتل خارج نطاق القانون.
وزادت: على سبيل المثال، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية في 15 مارس/ آذار 2018 أن أجهزة الشرطة قامت خلال الفترة من 9 فبراير/ شباط إلى 15 مارس/ آذار 2018 (35 يوماً فقط) بفحص 52,164 شخصا، تم ضبطهم بنوع الاشتباه وإخلاء سبيل من ثبت سلامة موقفه، دون تحديد عدد المفرج عنهم، ما يدلل بشكل واضح عن توسع حملات الاعتقال على أساس الاشتباه، دون الإشارة إلى عدد من تم الإفراج عنهم فعلياً، مشددة على أن هذا يشير بوضوح إلى الطابع العشوائي والواسع لحملات الاعتقال المبنية على الاشتباه، ويعزز المخاوف بشأن مصير عدد غير معلوم من هؤلاء الأفراد، في ظل غياب الشفافية والمحاسبة.
واستند التقرير إلى مقابلات مع 42 ناشطًا محليًا وزعيمًا قبليًا من مختلف مناطق شمال سيناء، اشترطت المؤسسة أن يكون لديهم اطلاع مباشر أو غير مباشر على قضايا الاختفاء القسري والانتهاكات المرتبطة بها.
ووفقًا للتقرير ارتبطت موجات الاعتقال والإخفاء الجماعية بنقاط التفتيش والحملات العشوائية مع تصاعد هجمات تنظيم «ولاية سيناء» في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش، وامتدادها غربًا إلى منطقتي بئر العبد وجلبانة، ووثق التقرير حالات استدعت فيها الأجهزة الأمنية مواطنين للتحقيق، ثم اقتيدوا بعدها إلى أماكن احتجاز غير رسمية، لتبدأ رحلة اختفائهم.
ولفت التقرير إلى أن السكان المحليين اعتادوا التعرض لإجراءات تحقيق وتفتيش دقيق عند حواجز التفتيش العديدة، وقد «يمتد الاحتجاز لساعات طويلة بغرض مراجعة قوائم المطلوبين قبل السماح بالمغادرة أو الاعتقال».
كما وثق حالات «تلقي أشخاص اتصالات هاتفية من جهة أمنية تبلغهم بضرورة حضورهم لمقر أمني للتحقيق، ليتم نقلهم لاحقًا إلى مكان احتجاز غير رسمي، ثم يختفون.
واستعانت المؤسسة في تقريرها بشهادات لعدد من أهالي المختفين قسريًا، فيما أشار أحدهم إلى أنه عندما قدم شكوى إلى جمعية «الوسيم» التابعة لرجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني عن اختفاء ابنه، كان الرقم التسلسلي لبياناته 2870، ما يعطي مؤشرًا على حجم الظاهرة. واستعرض التقرير شهادات ناجين وذويهم، كشفت عن انتهاكات «جسيمة في أماكن احتجاز غير رسمية»، شملت التعليق لفترات طويلة، والصعق الكهربائي، والتهديد أو الاعتداء الجنسي، والحرمان من الرعاية الصحية، ما أدى في بعض الحالات إلى الوفاة.
وشددت المؤسسة على أن هذه السياسات لم تنشأ فجأة، بل تستند إلى تاريخ طويل من التعامل الأمني العنيف مع السكان المحليين، بدأ بالظهور بشكل واضح بعد تفجيرات طابا ورأس شيطان في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2004، والتي أسفرت عن مقتل 34 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين من السيّاح والموجودين، حيث شنت السلطات المصرية وقتها حملة اعتقالات واسعة النطاق في شمال سيناء.
وأكدت أن تلك الوقائع تشير إلى أن الدولة المصرية نظرت إلى شبه جزيرة سيناء منذ عام 2004، وربما قبل ذلك، باعتبارها منطقة خطر أمني دائم، ما أسّس لشرعنة سياسات أمنية قمعية توسعت بعد 2013.
وتابعت: رغم اختلاف السياق والجماعات المتورطة في العنف خلال الفترتين، إلا أن الدولة اعتمدت في كلتا الحالتين على المنهج الأمني ذاته، القائم على القوانين الاستثنائية والانتهاك المنهجي للحقوق، غير أن ما كان يمارس كإجراءات استثنائية عقب تفجيرات طابا عام 2004، تحول منذ 2013 إلى بنية قمع مؤسسية، اتخذت فيها ممارسات كالإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون طابعًا ممنهجًا، في ظل غياب تام للمساءلة وتوسع مطّرد في صلاحيات الأجهزة الأمنية.
ودعت المؤسسة السلطات المصرية إلى التوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، وتعديل تعريف «التعذيب» في قانون العقوبات، والانضمام للبروتوكول الاختياري الثاني لاتفاقية مناهضة التعذيب.
كما أوصت بإغلاق أماكن الاحتجاز غير الرسمية، وإطلاق سراح المحتجزين تعسفيًا، وتشكيل لجنة مستقلة من القضاة والحقوقيين وزعماء القبائل للتحقيق في جميع حالات الاختفاء، مع صرف تعويضات للضحايا وذويهم.
ودعت إلى تمكين المجلس القومي لحقوق الإنسان من ممارسة دوره في رصد ومساءلة المتورطين، وإنشاء هيئة تابعة للنائب العام للنظر في بلاغات الاختفاء، والرقابة على كافة أماكن الاحتجاز والتحقيق في الحالات غير الرسمية.
وقالت إنها وجهت خطابات رسمية لعدد من الجهات الحكومية، منها وزارات الدفاع والداخلية والمجلس القومي لحقوق الإنسان، تتضمن استفسارات حول حالات الانتهاك، إلا أنها لم تتلق ردًا حتى لحظة نشر التقرير.
وأوائل يوليو/تموز الجاري، جددت المفوضية المصرية للحقوق والحريات مطالبة السلطات بالتصديق الفوري على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2006 ودخلت حيز التنفيذ عام 2010، ولم توقع عليها مصر «التي اتسع فيها نطاق الاختفاء القسري خلال السنوات العشر الماضية»، حسب بيان المفوضية.
ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أصدر الفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تقريره الخاص بمراجعة السجل المصري في حقوق الإنسان، متضمنًا 343 توصية حقوقية من 137 دولة، أبرزها مكافحة الإخفاء القسري وإنهاء تدوير المحتجزين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وضمان حرية الإعلام.